إذا التقى أحدكم وزير الصحة المغربي خالد آيت الطالب، فليصارحه بالحقيقة التالية، وهي أنه من الأفضل له أن يتفادى إعطاء التصريحات والاستجوابات لوسائل الإعلام؛ لماذا؟ لأنه بكل بساطة لا يقول شيئا ولا يشفي غليلا، أو حسب العبارة المأثورة إن كلامه «لا يزيل غشاوة ولا يرفع غباوة» لا سيما في هذا الظرف العصيب الذي يبحث فيه المواطن عن المعلومة المضبوطة، وليس الديماغوجيا.
وعلى قياس كتاب «أكثرَ أبو هريرة» جاز لنا أن نقول: «أكثرَ آيت الطالب» والمقارنة هنا ليست بين الصحابي الجليل أبو هريرة، راوي معظم أحاديث الرسول محمد (ص) وبين الوزير المغربي الحالي، وإنما بين هذا الأخير ومؤلّف الكتاب المثير. أما وجه الشبه بينهما فهو الكلام الفضفاض الذي لا يفيد في شيء. وفعلا، فقد أكثر خالد آيت الطالب من الظهور في وسائل الإعلام بدون جدوى، في وقت كان فيه المواطنون المغاربة ـ وما زالوا ـ ينتظرون منه أن يقدّم أجوبة دقيقة وصريحة ومباشرة حول موعد بدء تطعيم المواطنين باللقاحين الصيني والبريطاني؛ خاصة وأن معاليه منذ حوالي شهرين وهو يشنّف أسماع الناس بمعزوفة تبشّر بقرب انطلاق التطعيم، ويفتخر بكون المغرب عقد صفقة مع الصين لإنتاج اللقاح محليا وتصديره لباقي البلدان الإفريقية.
وها نحن قد جاوزنا عتبات يناير/كانون الثاني، واحتفلنا بأعياد الميلاد وبإطلالة العام الميلادي الجديد مع إخواننا المسيحيين، كما احتفلنا في العام الأمازيغي الجديد مع مواطنينا الأمازيغيين، واحتفلنا أيضا بذكرى تقديم وثيقة الاستقلال التي مهّدت ـ إلى جانب عوامل أخرى ـ لرحيل المستعمر الفرنسي من المغرب منذ عقود خلت… واحتفلنا أيضًا بأمطار الخير التي ملأت السدود والأنهار، ولكنها أتت كذلك بالفيضانات والكوارث في المدن والبوادي… وبعد كل هذه الاحتفالات وتلك المآسي، لم نسمع بعد خبرًا صريحًا فصيحًا عن موعد قدوم اللقاح على متن الطائر الميمون من بلاد السور العظيم أو من بلاد الضباب!
المسؤول الأول عن قطاع الصحة يكتفي في تصريحاته واستجواباته بنفي «صحة» الأخبار التي توردها بعض المواقع الإلكترونية، في شأن وصول الدفعة الأولى من جرعات اللقاح الصيني، ويقتصر على استعراض تفاصيل تقنية ولوجيستيكية تهمّ المختصّين ولا تعني العامّة. كما يردد معاليه باعتزاز أن المغرب يعدّ من بين الدول الأولى التي أبرمت العقود مع الشركة الصينية، فمن الطبيعي أن يكون من أوائل المستفيدين من التطعيم.
ولكن كلام الليل يمحوه النهار، فها هم المواطنون المغاربة يشاهدون عبر القنوات التلفزيونية وباقي وسائل الإعلام، كيف أن الناس في أكثر من قُطر في مشارق الأرض ومغاربها يُقبلون على التلقيح ضد الفيروس اللعين، مُبتهجين، رغم ما يُثار أحيانا من احتمالات حول التأثيرات الجانبية للتطعيم على سلامة البعض. ومع ذلك، لا تصل ولو جرعة واحدة إلى المغرب!
الوزير خالد آيت الطالب غير معذور في موقفه الذي لا يُحسد عليه، فهو طبيب قبل أن يكون رجل سياسة. ولكنه حين خلع وزرته، واختار الوزارة، فليتحمل وزرها؛ إذ صار يحتلّ منصبا سياسيا محكوما بضغوط واعتبارات تتجاوزه شخصيا، فالسياسي قد يُخفي الحقيقة، وقد يقول كلاما غير مقتنع به، بذريعة أن المقام والظرف يقتضيان ذلك. لنبحث، إذنْ، عن الحقيقة لدى المختصين والخبراء.
أحدهم، وهو الدكتور عز الدين الإبراهيمي (مدير مختبر التكنولوجيا الحيوية في كلية الطب في الرباط) أراد أن يريح ضميره، فكتب تدوينة على صفحته في فيسبوك، موضحا أن سبب تأخر وصول اللقاح إلى المغرب راجع لكون الدول «العظمى» اقتنت ملايين الجرعات المُنتَجة، وهناك دول اقتنت فوق احتياجاتها، كما هو الحال بالنسبة لكندا، وتركت غيرها ينتظر دوره في الصف.
ألم نقل من قبل، إننا نعيش مشاهد واقعية من المسرحية العبثية «في انتظار غودو» لصمويل بيكيت؟!
واقع مخجل!
أمّا أشدّ المَشاهد إيلامًا، فتلك التي تناقلتها الكاميرات عن مخلّفات الفيضانات والأمطار الغزيرة في المغرب، إذ عرّت صورًا من الواقع المخجل، وفضحت السياسة الحكومية المعتمدة حاليا، بل وأيضًا تلك المعتمدة منذ فجر الاستقلال إلى اليوم.
صحيح أن الكوارث الطبيعية تقع في أكثر من نقطة من العالم، وتتضرر منها أحيانًا حتى البلدان المتقدمة؛ ولكن المشكلة تكمن في عدم استفادة المسؤولين المغاربة من الأخطاء المتكررة، وعدم اعتماد خطة استباقية لمثل هذه الظروف، فضلاً عن الغش الملحوظ في عمل عدد من المؤسسات العمومية والشركات التي فوّضت لها البلديات اختصاصات معينة كالنظافة والماء والكهرباء وتطهير المجاري، وهو غش يشمل أيضا البنيات التحتية من طرق وجسور وجدران مؤسسات عامة وغيرها.
عشرات الأسر البسيطة ـ خاصة في الدار البيضاء ـ صار أفرادها يلتحفون السماء وينامون في العراء، بعد انهيار منازلهم، في ظل الظروف المناخية الحالية المتّسمة بالبرد القارس جدا، بينما يجتمع المسؤولون في مكاتبهم المكيّفة جدا جدا، لإعداد «الخطط» و»البرامج المستقبلية» من أجل «تطوير» المدينة. ولم يسمع المواطنون عن إقالة أو استقالة ولو مسؤول واحد، على الأقل لتبرئة الذمة وربط المسؤولية بالمحاسبة. سمعوا، فقط، عن محاكمة سارقة 16 بيضة من مزرعة مُشغّلها النائب البرلماني، نواحي مدينة مراكش. ورغم أن المدّعي تنازل عن متابعة السارقة، تحت ضغط سكان العالم الافتراضي، فقد أدانتها المحكمة لارتكابها جنحة «خيانة الأمانة» بالسجن شهرًا موقوف التنفيذ وأداء غرامة للصندوق قدرها 130 درهم (حوالي 15 دولار) يعني ضعف ثمن البيض «المسروق» (وليس المسلوق) بحوالي عشر مرات!
نداء فنان!
المطرب والموسيقار نعمان لحلو، فنان مثقف ورجل ذو مواقف إنسانية مشرفة في العديد من المحطات، آخرها ما عبّر عنه هذا الأسبوع في صفحته الافتراضية الرسمية، حيث وجّه نداء إلى مُحتضني المهرجانات الفنية ورُعاتها، قائلا: بما أن كل المهرجانات الفنية متوقفة منذ مدة طويلة (بسبب كورونا) ماذا لو ساعد اليوم أولئك الذين كانوا يساهمون بملايين الدراهم كل سنة «في مهرجان» إعادة إسكان منكوبي الفيضانات، والدور التي انهارت، وتلك الآيلة للسقوط؟
اقتراح سديد ورأي وجيه، خاصة وأن العديد من الشركات الكبرى تموّل مهرجانات غنائية وسينمائية على امتداد الأعوام، فمن المنطقي أن تذهب ميزانية دعم المهرجانات التي لم تُصرف خلال 2020 إلى مساعدة المنكوبين جراء الكوارث التي وقعت أخيرًا في عدة مدن وقرى مغربية.
إن الشركات المواطنة ينبغي أن تجسّد مواطنتها في الأوقات الصعبة، مثلما تسعى إلى تلميع صورتها زمن الأفراح والمواسم الفنية. والمطلوب، إذن، أن تنضمّ أصوات أخرى إلى صوت الفنان نعمان لحلو، تجسيدًا لروح التضامن الإنساني مع أبناء الشعب.